إدارة المجال الجوي في الصحراء المغربية.. ضربة جديدة للكيان الانفصالي
أفادت تقارير إعلامية إسبانية بأن الحكومة في مدريد تخطط لنقل إدارة المجال الجوي في الصحراء، الذي تشرف عليه شركة “إينير” انطلاقًا من مركز المراقبة الجوية بجزر الكناري، إلى المملكة المغربية، إذ نصت النقطة السابعة من الإعلان المغربي الإسباني المشترك في السابع من أبريل من العام 2022 على إطلاق محادثات بين البلدين بشأنه، تجسيدًا للدينامية الجديدة التي تشهدها العلاقات الثنائية بين المملكتين الجارتين، خاصة بعد تأييد إسبانيا مبادرة الحكم الذاتي لحل النزاع في الصحراء تحت السيادة المغربية.
وسبق أن أثار حديث وزير الخارجية الإسباني، خوسي مانويل ألباريس، عن إطلاق اتصالات غير رسمية مع السلطات في الرباط بشأن إدارة المجال الجوي في الأقاليم الجنوبية غضب جبهة البوليساريو الانفصالية، التي أطلق عدد من قيادييها، وعلى رأسهم المسميان عبد الله العرابي وأبي بشرايا البشير، تهديدات باللجوء إلى القضاء الأوروبي والدولي في مواجهة الحكومة الإسبانية إذا ما أقدمت على ذلك.
وفي جواب لها عن سؤال برلماني في مجلس الشيوخ حول هذا الموضوع، في مارس الماضي، أكدت الحكومة الإسبانية أن “وزيري الخارجية الإسباني والمغربي اتفقا أواسط دجنبر الماضي على استئناف جميع مجموعات العمل المشتركة، بما في ذلك مجموعة عمل التعاون في إدارة المجال الجوي”، مؤكدة أنه “رغم أن المجال الجوي في الصحراء يدار من طرف شركة ‘إينير’ الإسبانية إلا أنها لا تقدم أي خدمات لمراقبة المطارات أو خدمات الاقتراب في أي من مطارات الصحراء، بما في ذلك مطارا الداخلة والعيون”.
مسألة وقت وتوجس انفصالي
تفاعلاً مع هذا الموضوع قال محمد الغيث ماء العينين، عضو المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إن “البيان المشترك الذي تم اعتماده في ختام المباحثات التي جمعت الملك محمدا السادس وبيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني، في أبريل من العام 2022، ورسخت من خلاله مدريد موقفها الجديد المؤيد لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، تضمن إطلاق محادثات حول تدبير المجالات الجوية، وبالتالي فإن نقل إدارة المجال الجوي في الصحراء إلى المغرب هو مسألة وقت فقط”.
وأضاف ماء العينين، في تصريح لهسبريس، أن “الإدارة الإسبانية لهذا المجال هي إدارة تقنية فقط وليست سيادية، إذ إن إسبانيا ما دامت لا تدعي أي نوع من أنواع السيادة على الصحراء التي هي تحت سيادة المغرب فإن خطوة نقل إدارة المجال الجوي للأقاليم الجنوبية إلى المملكة المغربية قادمة لا محالة، وستتم مناقشتها في إطار ثنائي؛ ذلك أن الرباط، منذ الموقف الإسباني الأخير، لا تتعامل مع هذا الملف كملف إشكالي كبير”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “البوليساريو ومعها الجزائر تحاولان تهويل هذه الخطوة وإطلاق تهديدات لإسبانيا في هذا الإطار، رغم وعيهما بأن خطوة الاعتراف الإسباني بالسيادة المغربية على الصحراء تتجاوز مجرد التصريحات والمواقف لتشمل إجراءات عملية، بما فيها إعادة النظر في الصيغة الحالية لتدبير المجال الجوي في الأقاليم الجنوبية للمملكة”، مشيرًا إلى أن “قيادة البوليساريو الانفصالية بعدما توالت عليها النكسات أصبحت تبحث عن أي شيء وتخوض معارك صغرى فقط لإعطاء انطباع للمحتجزين في تندوف بأنها مازالت مؤثرة في الفعل الإقليمي والدولي”.
وبين المحلل نفسه أن “توجس البوليساريو من إقدام إسبانيا على هذه الخطوة القادمة لا محالة يؤكد أن لديها أملًا في تغيير موقف مدريد بعد رحيل حكومة سانشيز، مثلما كان لديها أمل في تغيير موقف واشنطن بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وهو ما لم يحدث”، مشددًا على أن “مخاطبة الكيان الوهمي والجزائر إسبانيا بخصوص مسؤوليتها في الصحراء يكشف عدم قدرة الجزائر، التي صنعت البوليساريو في حقبة الاستعمار الذي رسم الحدود والخرائط في إفريقيا، وهي تخاطب اليوم صانعتها فرنسا وتدعوها إلى احترام معاهدات استعمارية، رغم أنها تقول إنها دولة مستقلة ومن المفروض أن تنسلخ عن هذه الحقبة، لكن توقف شرعيتها على الاستعمار يجعلها تدفع باتجاه استنساخ هذه التجربة في الصحراء المغربية”.
خطوة مهمة وتوجهات مغربية
من جهته قال جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، إن “الحديث عن نقل إدارة المجال الجوي في الصحراء من إسبانيا إلى المغرب لا يمكن أن يكون إلا خطوة مهمة ذات دلالات سياسية وقانونية، بأبعاد وتداعيات كثيرة”، مضيفًا أن “مثل هذا الإجراء الذي يسعى إليه المغرب منذ مدة ليست بالقصيرة يعد تأكيدًا عمليًا على سيادته على صحرائه، وهو خطوة هامة في طريق ترسيخ الوضع القانوني والواقعي للصحراء كجزء لا يتجزأ من التراب المغربي”.
وزاد القسمي شارحًا: “كما أن ذلك من شأنه التأكيد على المرحلة الجديدة التي تطبع علاقات التعاون الثنائي بين إسبانيا والمغرب، وتعزيزها في شتى المجالات، خاصة في مجال الأمن الجوي”، مؤكدًا أن “إسناد إدارة المجال الجوي للصحراء إلى المغرب سيسمح لهذا الأخير بتحقيق الاندماج الكامل لهذا المجال في النظام الجوي المغربي، بما يخدم التوجهات المغربية، ومنها التوجه الأطلسي المغربي ومكانة الصحراء المركزية ضمن التوجهات الجديدة”.
واعتبر المتحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “نقل إدارة المجال الجوي للصحراء إلى المغرب سيعد من جهة ترسيخًا للموقف الإسباني الرسمي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي”، مؤكدًا أن “الخطوة ستعد أيضًا ضربة قوية لمشروع البوليساريو الانفصالي، وتضييقًا للخناق على الجبهة وحرمانها من أي دعم دولي، وهي التي كانت تمني النفس بأن تتراجع الحكومة الإسبانية عن دعمها مشروع الحكم الذاتي”.
تعليقات 0