صنصال يفضح البنية الشمولية للنظام العسكري المسيطر على الجزائر
على خلفية علاقات جزائرية–فرنسية متوترة، خصوصاً بعد الموقف الفرنسي الرسمي بشأن سيادة المغرب على صحرائه، جاء اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، باعتباره شخصيةً رمزاً لمناهضة السلطوية والاستبداد، ليزيدَ طين تلك العلاقات بَلَـلاً؛ في وقت “لم تتوافر أيُّ معلومات رسمية أخرى عن مصيره في ظل توتر العلاقات بين باريس والجزائر”، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
غداةَ إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء “اختفاء صنصال”، وتزايد منسوب القلق بشأن “مصيره”، طالبت دار النشر الفرنسية الشهيرة “غاليمار”، الجمعة، بـ”الإفراج” عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بعد “اعتقاله” على يد أجهزة الأمن الجزائرية. بينما أفادت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بـ “توقيف صنصال في مطار الجزائر” العاصمة، من دون أن تحدد تاريخ ذلك.
“الاختفاء” جاء بعد تصريحات لصنصال يرى كثيرون أنها أثارت حفيظة السلطات الجزائرية، حيث عبّر لمجلة “فرونتيير” الفرنسية عن أنّ “النظام العسكري في الجزائر اختَلقَ البوليساريو لزعزعة استقرار المغرب وتهديده”. فيما أوردت “لوموند” الفرنسية أن تبنّي الكاتب في تصريحاته موقفا مغربيا يقول إن أراضي مغربية انتُزعت من المملكة تحت الاستعمار الفرنسي، لصالح الجزائر، أثار حفيظة النظام العسكري الحاكم، وقد يؤدي إلى اتهام الكاتب بـ”المساس بسلامة وحدة الوطن”.
ضييق وكتم
وليد كبير، إعلامي وناشط جزائري معارض، قال إن تصريح الرجل علانية بأن “الجزائر صنَعتِ البوليساريو لزعزعة المغرب” كان مُزلزِلا من قبل الكاتب الفرانكو-جزائري؛ وهو ما دفع النظام إلى أن يُقدم على اعتقاله بمجرد رجوعه إلى وطنه، متمنياً لو أن صنصال لم يعُد للجزائر في هذا الظرف، “لأن تلك التصريحات أخذهَا النظام العسكري مأخذ الجد”، مضيفا أن “أيّ جزائري يصرح بمثل هذه المواقف سيكون مصيره الاعتقال، لأن العسكر يرَوْن في قضية البوليساريو مسألة مقدسة ومحورية، بل يبنون وجودهم كنظام على دعم هذه الحركة الانفصالية من أجل استعداء المغرب”.
ومعلقاً على الحدث الذي أثار موجة استنكار وتنديد واسعين لفت كبير، في تصريح لهسبريس، إلى أن “نظام العسكر في الجزائر يُضيّق الخناق على جميع الجزائريين، خاصة الأصوات الفكرية والكتاب المستقلين الذين يُبدون آراء مخالفة لوجهة نظره؛ فهم معرّضون للاعتقال لأن النظام قرر كتم كل صوت يَقِفُ ضده، خصوصا في ما يتعلق بالعلاقات مع المغرب والحساسية المفرطة التي يتعامل بها”.
“ستتم محاكمته بحكم أنه يحمل الجنسية الجزائرية، لكن النظام الجزائري يتعرض لضغوطات كبيرة من قِبل فرنسا بحكم أنه يحمل الجنسية الفرنسية كذلك”، يقول الناشط الجزائري المعارض، مسجلا أن “خرجة الرئيس الفرنسي ماكرون التي عبّر من خلالها عن قلقه بشأن مصير الكاتب بوعلام صنصال مؤشر يؤكد أن الدوائر الرسمية في فرنسا ستتحرك من أجل الضغط على النظام قصد إطلاق سراحه”.
وأجمل المتحدث ذاته قائلا: “النظام الجزائري يَعتبر قضية الصحراء والخلاف مع المغرب ودعم البوليساريو أمورا مقدسة، ما يعني أن أي صوت يخالفه هذا الرأي هو مزعج جدا”، منبها إلى أنه “بات يتعقّب حتى الأصوات الجزائرية المتواجدة بالخارج التي عبرت علانية عن مواقف مخالِفة لمواقفه، بل يهددها بالاختطاف وبالتصفية لأنه يرى في تصريحاتها وفي مواقفها خطراً على وجوده وديمومة حُكمه المبني على عقدة العداء مع المغرب”.
بنية عسكرية شمولية
من جانبه أبرز لحسن أقرطيط، أستاذ العلاقات الدولية والأنظمة السياسية، أن “اعتقال واختطاف الكاتب بوعلام صنصال ليس الأول، كما لن يكون الأخير؛ انطلاقا من بنية النظام العسكرية”، مبرزا أن “هذه الممارسات تبقى مرتبطة بالأنظمة الكليانية والشمولية والسلطوية العسكرية المنتمية إلى فترة السبعينيات والستينيات والثمانينيات؛ إذ لم نعُد نسمع عن اختطافات على هذا الشكل الذي حدث للكاتب الفرنسي الجزائري”.
وفي نظر أقرطيط فإن “مسألة الاختطاف والاعتقال السياسي في الجزائر هي انعكاس للبنية السياسية والمؤسساتية للدولة العسكرية، على اعتبار أن النظام السياسي هو نظام غير ديمقراطي، وبالنظر إلى أن استقلالية العدالة غير متوفرة في الأنظمة العسكرية”، حسب تعبيره في إفادات تحليلية لجريدة هسبريس.
وأكثر من ذلك، يضيف الخبير في العلاقات الدولية، “ينبغي الإقرار بأن النظام العسكري الوحيد الذي لم يتطور على الصعيد الدولي هو النظام الجزائري، بالنظر إلى كونه من أقدم الأنظمة العسكرية على الصعيد الدولي، خلافاً للتجربة في أمريكا اللاتينية أو تجارب في دول إفريقية شهدت فيها الأنظمة العسكرية انتقالا ديمقراطيا…”، مشددا على أن “النظام الجزائري للأسف الشديد هو نظام لا يختلف عن الأنظمة الشمولية وعن الأنظمة العسكرية في أبشع صورها”.
جريمة سياسية موصوفة
هذه الصورة البشعة لعساكر الجزائر تتجلى أكثر بالعلم أن “بوعلام صنصال لم يكن أوَّلَ من يُختطف أو مَن يعتقل أو قد يتعرض للتعذيب”، باستحضار “متابعة مناضلي وقادة الحراك الشعبي في الجزائر بتهم ثقيلة جدًا وصلت إلى حد الاتهام بالمساس بأمن الدولة”، وفق المصرح ذاته.
وبالتالي، يخلص المتحدث، فإن “اعتقال بوعلام صنصال هو انعكاس وإفراز موضوعي لطبيعة البنية العسكرية للدولة الجزائرية التي تَغيب فيها الحريات العامة والحريات الفردية”، مؤكدا أن “النظام العسكري يعاني من العزلة السياسية على الصعيد الدولي، كما أنه خائف من التحولات الكامنة داخل المجتمع الجزائري، حيث يسجل تصاعد خلال العشرين سنة الأخيرة لحركات احتجاجية كبيرة تعرفها البلاد، وهو يخشى من النخبة المثقفة الجزائرية، خصوصا المعارضة منها”.
“اعتقال واختطاف بوعلام صنصال هو جريمة سياسية موصوفة”، يورد أقرطيط، متوقعاً أن “يتحرك حراك دولي لإطلاق سراح الكاتب المعتقل، ما يضع العسكر في مأزق سياسي حقيقي، لأنّ الطبقة السياسية والدولة الفرنسية ستضغط على النظام الجزائري، على اعتبار أن صنصال يتمتع بجنسيتين جزائرية وفرنسية”.
تعليقات 0