“نشر أخبار زائفة وتبخيس العفو الملكي”.. انتقادات تطال بوبكر الجامعي
أثارت تصريحات الصحافي بوبكر الجامعي، التي أدلى بها على هامش مشاركته في الحلقة الأخيرة من برنامج “المغرب في أسبوع” الذي يذاع على شبكة الأنترنيت، مجموعة من ردود الفعل القوية والرافضة؛ خصوصا عندما انبرى يتحدث عن قضية سجناء أحداث 16 ماي الإرهابية، وما أعقبها من إجراءات العفو الملكي التي جاءت كتتويج لمخرجات برنامج “مصالحة” داخل المؤسسات الإصلاحية والعقابية.
تصريحات.. أم مزاعم
من بين التصريحات التي أسالت الكثير من “المداد الافتراضي” في مواقع التواصل الاجتماعي واستأثرت بالكثير من الردود والتعليقات المستهجنة ادعاء مؤسس وناشر مجلة «لوجورنال» المتوقفة عن الصدور، بشكل مشوب بعدم الصحة، أن الملك محمدا السادس كان قد منح العفو الملكي للانتحاري محمد العماري، الذي ألقي عليه القبض في 16 ماي 2003 مباشرة بعد وقوع أحداث فندق فرح بشارع الجيش الملكي بالدار البيضاء!
وأردف الجامعي هذا الكلام المشفوع بعدم الدقة، حسب رواد الإعلام البديل، بتصريحاته مفادها أن الجالس على العرش المغربي كان قد قرر منح العفو لمن وصفه بـ”الانتحاري الرديف Kamikaze de réserve” بعد سنتين فقط من اعتقاله وإدانته بالسجن المؤبد.
تصريحات أخرى مماثلة سوف يخضعها رواد مواقع التواصل الاجتماعي لمجهر الرقابة الفايسبوكية، خصوصا من جانب المهتمين بالشأن القانوني والقضائي، وهي عندما صور الجامعي آلية العفو على أنها آلية لتصحيح الأخطاء القضائية، وليس بوصفها آلية دستورية تعتبر بمثابة الفرصة الأخيرة “للتفريد العقابي” التي تستحضر معايير ومعطيات مرتبطة بالشخص المحكوم ومدة العقوبة وليس نوع الجريمة وطبيعتها.
مصدر أمني يكشف الحقيقة
في تعقيبه على تصريحات بوبكر الجامعي، أبدى مصدر أمني اندهاشه واستغرابه مما وصفه إمعان مؤسس وناشر مجلة «لوجورنال» المتوقفة عن الصدور “في تحريف الحقائق بشكل قد يزيغ بالرأي العام إلى تكوين قناعات مغلوطة جراء الادعاءات الزائفة المنشورة”.
واستطرد المصدر الأمني تصريحه بـ”أن محمدا العماري، الانتحاري الذي ألقي عليه القبض في خضم أحداث 16 ماي الإرهابية، لم يسبق له أن استفاد نهائيا من العفو الملكي السامي؛ وهو ما يدحض بشكل كلي المزاعم التي تم الترويج لها في هذا الصدد من طرف بوبكر الجامعي”.
كما صحّح المصدر الأمني ما اعتبرها “الأخبار الزائفة التي أدلى بها بوبكر الجامعي والتي من شأنها تغليط الرأي العام الوطني والدولي”، موضحا أن الانتحاري الموقوف أدين في جميع مراحل التقاضي بالإعدام وليس بالسجن المؤبد كما جاء في الخبر الزائف، وأنه يوجد حاليا رهن الاعتقال وليس خارج السجن، كما أومأ إلى ذلك بوبكر الجامعي عندما زعم أن المعني بالأمر استفاد من العفو بعد سنتين فقط.
وإمعانا في التوضيح، أشار المصدر الأمني إلى أن “تصريحات بوبكر الجامعي تحتاج إلى كثير من التصويب والتدقيق، خصوصا أن موضوع الإرهاب هو موضوع دقيق للغاية ويحتاج إلى كثير من الدقة وعدم التسرع لئلا يسقط المصرح في فخ إلقاء الكلام على عواهنه”. فحديث بوبكر الجامعي الذي ادعى فيه أن 164 شخصا استفادوا من العفو بعد سنتين من اعتقالهم رغم أن رجال القضاء والشرطة اعتبروهم مرتبطين بأحداث 16 ماي 2003! هو كلام غير دقيق وعار من الصحة؛ لأن هؤلاء المعتقلين لم يكونوا مدانين نهائيا من أجل المساهمة أو المشاركة المباشرة في أحداث 16 ماي الإرهابية، وإنما كانوا محكومين في قضايا أخرى تتعلق بالتطرف، باستثناء معتقل واحد كانت حالته الصحية متدهورة واستأثرت بسابغ العفو الملكي، شدّد المصدر الأمني دائما.
الخلط بين العفو والطعون غير العادية
أوضح الأستاذ محمد الهيني، المحامي بهيئة الرباط، أن تصريحات بوبكر الجامعي تصدح بالجهل بمبادئ وفلسفة العفو في مختلف التشريعات الإجرائية المقارنة؛ بما فيها الدول الأكثر تطورا في نظام المرافعات الجنائية.
وأضاف المصرح ذاته أن العفو ليس آلية لتصحيح الأخطاء الأمنية والقانونية، وأن الشخص الذي يستفيد من العفو، لسبب من الأسباب، لا يعتبر بأي شكل من الأشكال بريئا. كما لا يمكن أيضا وصم القضاء الذي أصدر الحكم في حق الشخص المتمتع بالعفو بأنه كان خاطئا.
واستطرد المحامي الهيني حديثه: “فمن يقدم مثل هذه التحاليل الشعبوية إما أنه جاهل بأحكام العفو وآثاره، وإما أنه لا يميز بين نظام العفو كسبب من أسباب انقضاء العقوبة من جهة وبين طرق الطعن الاستثنائية التي أفردها المشرع لتصحيح الأخطاء التي تتسرب للأحكام مثل (إعادة النظر وتصحيح القرارات) المنصوص عليها في المادتين 563 و564 من قانون المسطرة الجنائية المغربي وكذا نظام (المراجعة) المنصوص عليه في المادة 565 وما يليها من نفس القانون من جهة ثانية”.
وشدّد المحامي محمد الهيني على أن لجنة العفو، وهي لجنة مشتركة وتضم العديد من القطاعات، هي التي تدرس طلبات العفو وتقوم بملاءمتها ودراسة التفريد العقابي للأشخاص المعنيين، قبل إحالة مرئياتها واقتراحاتها على الجناب الشريف. وبالتالي، فإن من يختزل العفو في شخص الجالس على العرش وينثر على ذلك مزاعم واهية يحتاج حتما إلى مراجعة أفكاره وتصويبها.. ختم المحامي بهيئة الرباط تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية.
استهداف العفو أم استهداف سجناء الإرهاب!!
الكثير ممن تفاعلوا مع تصريحات بوبكر الجامعي، خصوصا من المعتقلين السابقين في قضايا التطرف والإرهاب، اعتبروا أن تصريحات مؤسس وناشر مجلة «لوجورنال» المتوقفة عن الصدور “تستهدف نظام العفو وتستهجن سجناء التطرف على حد سواء؛ بل إنها تبخس حتى جهود برنامج “مصالحة” المعتمد حاليا في السجون”.
ففي تصريح لأحد المعتقلين السابقين في قضايا الإرهاب، والذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أوضح “أن استفادتي من العفو الملكي جاءت بعد مشاركتي في برنامج “مصالحة”، والذي مكنني من إجراء العديد من المراجعات الفكرية والعقدية التي طالت مفاهيمي السابقة”، مضيفا: “يستشف ظاهريا من كلام بوبكر الجامعي بأنه مع تجريد المغرر بهم في قضايا التطرف من آلية العفو. ومثل هذه الدعوات المبطنة تبقى مرفوضة تماما، على اعتبار أن العفو الملكي يكون أحيانا هو المدخل الأساسي لمكافحة الإرهاب وتجفيف مشاتل التطرف؛ وذلك عبر تحفيز الأشخاص المدانين على تصحيح مرتكزاتهم الفكرية والعدول عن مشاريعهم التخريبية بغرض إعادة الاندماج في المجتمع”.
وعلى صعيد آخر، حظيت تصريحات بوبكر الجامعي بشأن صلاح عبد السلام، أحد المشاركين في أحداث “الباتكلان” بفرنسا، بالكثير من التفاعل والتدوين الافتراضي في الشبكات التواصلية؛ فالعديد من المعلقين أثاروا انتباه بوبكر الجامعي إلى أن “المخابرات المغربية هي التي قدمت معلومات دقيقة إلى الفرنسيين؛ مما مكنهم من توقيف المعني بالأمر وتحييد باقي المساهمين، خصوصا حسناء أيت بولحسن وعبد الحميد أباعود. وبالتالي، تجنيب فرنسا حمام دم كان وشيكا”. وأكد أحد المعلقين “أن جهاز الأمن المغربي، الذي يحاول بوبكر الجامعي الانتقاص منه تلميحا أو بشكل صريح، هو الذي ساهم في حماية أمن فرنسا التي يعيش هو حاليا في كنفها سالما معافى”.
وفي المحصلة، فقد شكلت تصريحات بوبكر الجامعي مادة دسمة لنقاش حاد بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي؛ بين من اعتبرها تصريحات “مضللة” تنطوي على أخبار زائفة تحتاج إلى تصويب وتعقيب من جانب المديرية العامة للأمن الوطني ولجنة العفو التابعة لوزارة العدل، وبين من اعتبرها تصريحات تذكي وتؤجج نزوعات التطرف لأنها تطالب بإسقاط حق المغرر بهم في المراجعات الفكرية وفي فرصة الاندماج مجددا في المجتمع عبر الآليات التي يتيحها نظام العفو.
تعليقات 0